رافـــقـــنا فـــي جـــولـــة زمـــنـــيـــة تـــاريـــخــيـــة، نـــســـتعـــرض مــن خـــلالـــها أهـــم الأحـــداث والمـــواقــف فــي حــيــاة، وســـيـرة ونـضــال البـطـــل الجـــزائـري الإنـــــساني الأمـــيـر عــبـد القـــادر.
توفي الأمير عبد القادر في منزله بدمشق ليلة 25 إلى 26 ماي. ودفن بالقرب من ضريح الشيخ ابن عربي.
في السادس عشر نوفمبر حضر الأمير عبد القادر حفل افتتاح قناة السويس الذي وُصف بالحفل الأسطوري، إلى جانب ستة آلاف مدعو في مقدمتهم الإمبراطورة اوجينى زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، وشقيق ملك هولندا، وسفير بريطانيا العظمى في الآستانة، والأمير توفيق ولى عهد مصر، والكاتب النرويجي الأشهر هنريك إبسن، والأمير طوسون نجل الخديو الراحل سعيد باشا، ونوبار باشا. وغيرهم.
بلغت الاضطرابات بين الطوائف في سوريا ولبنان ذروتها في شهر جويلية، وأدت إلى مقتل الكثير من المسيحيين. فتدخل الأمير عبد القادر وحلفاؤه لمنع إعدام آلاف المسيحيين الدمشقيين وهو الموقف الذي تلقى نظيره شكرا وأوسمة من المستشاريات الأوربية الكبرى.
صدور ترجمة غوستاف دوقا لكتاب الأمير "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل"إلى اللغة الفرنسية عن دار النشر Duprat بباريس. وقد ألَّف الأمير كتابه هذا خلال إقامته في بورصة التركية بين 1852 و1855
في السادس ديسمبر، لقي الأمير وعائلته ترحابا حارا عند وصولهم إلى دمشق.
وصل الأمير إلى باريس في الثامن من شهر سبتمبر، حيث قصد نابليون الثالث الذي حصل منه على إذنٍ بالانتقال إلى دمشق.
بعد الزلزال الذي ضرب بورصة، في الفترة بين الثامن والعشرين فيفري والثالث مارس، طلب الأمير عبد القادر الإذن بالذهاب إلى فرنسا.
استقر الأمير عبد القادر ببورصة التي وصل إليها في السابع عشر جانفي.
في السابع من شهر جانفي، لقي الأمير عبد القادر ترحيبا عند وصوله إلى اسطنبول من قبل السلطان العثماني الشاب عبد المجيد وأعضاء بارزين آخرين في الدولة العثمانية.
وصل الأمير وحاشيته إلى مرسيليا في الواحد والعشرين من شهر ديسمبر، وركبوا سفينة لابرادور التي نقلتهم إلى القسطنطينية.
في الثاني من شهر ديسمبر، حضر الأمير عبد القادر إعلان الإمبراطورية في قصر التويلري.
زار الإمبراطور نابليون الثالث الأمير عبد القادر في سجن أمبواز في السادس عشر أكتوبر، وأبلغه بنفسه بخبر الإفراج عنه.
في الثالث عشر جانفي، دعا الأمير عبد القادر المارشال بيجو والجنرال Changarnier لمناقشة وضعه في السجن، ومعارضة وزير الحرب لفكرة تحريره.
نُقِل الأسرى (الأمير عبد القادر وأبناؤه وأتباعه) إلى قلعة أمبواز بين الثاني والثامن من شهر نوفمبر.
نقل الفرنسيون الأمير عبد القادر إلى قصر بو (Chateau de Pau) في شهر أفريل، وهناك التقى بالنقيب Estève Boissonnet.
في شهر جانفي اعتقل الفرنسيون الأمير عبد القادر وأبناءَه في حصن لامالغ في طولون.
وقعت المعاهدة في الثالث والعشرين ديسمبر بين الأمير ولاموريسيير. وتفاوض الطرفان فيها على وقف القتال ووضع الأمير الهجرة إلى المشرق شرطا من شروطه للهدنة.
27 جوان
1845/09/26
جرت وقائع معركة سيدي إبراهيم من 23 إلى 26 سبتمبر 1845 على بعد 15 كلم غرب مدينة الغزوات مابين قريتي "الكركور" و"سيدي إبراهيم" عند خروج قائد الحامية العسكرية الفرنسية بالغزوات المقدم ديمونتانياك على رأس فيلق رماة قوامه 450 عسكري لمواجهة الأمير عبد القادر الذي كان يراقب تحركات العدو، واستغل انقسام القوات الفرنسية ليهاجمهم ويتغلب عليهم بأسلوب المباغتة، ويحرز انتصارا عليهم بقتل ديمونتنياك ومعظم رجاله.
بتاريخ 14 أوت هاجمت القوات الفرنسية بقيادة الجينرال بيجو القوات المغربية بالقرب من وجدة (على مقربة من الحدود الجزائرية المغربية). بسبب رفض السلطان المغربي المولى عبد الرحمن التخلي عن دعم المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر ضد الاستعمار الفرنسي. انتهت المعركة بانتصار الفرنسيين الذين فرضوا شروطا على المغرب استولوا بموجبها على أراضي مغربية. وعقدت معاهدة طنجة بتاريخ 10 سبتمبر 1844 التي نصت على تخلي السلطان عن حماية ودعم الأمير عبد القادر. وبعدها عقدت معاهدة لالة مغنية سنة 1845 التي أبقي فيها على الحدود بين المغرب والجزائر كما كانت بين السلاطين العثمانيين وسلاطين المغرب السابقين.
حين علم الجنرال بيجو بوجود الزمالة بنواحي بوغار أرسل الدوق أومال والجنرال لاموريسيير للعثور عليها. كان الأمير عبد القادر وقادة جيشه غائبين عن معسكرهم في الوقت الذي هجم فيه الدوق أومال عليه بتاريخ السادس عشر ماي، فاستولى على الزمالة وخرب مكتبة الأمير واستولى على ممتلكاته. بعدها اتجه الأمير إلى المغرب طالبا اللجوء من السلطان المولى عبد الرحمان.
من 12 إلى 21 ماي
هاجمت قوات الأمير عبد القادر القوات الفرنسية بقيادة الدوق أورليان بتاريخ الثاني عشر ماي 1840.
هاجمت قوات المقاومة الشعبية بقيادة الخليفة بن علال القوات الفرنسية بقيادة الجنرال فالي بغابة كرازة بتاريخ 27 أفريل، فتمكنت القوات الفرنسية من صد الهجوم بالقصف المدفعي، وجمعت صفوفها بجبال العفرون، فيما التحقت القوات الوطنية بقيادة بن علال بقوات المقاومة بقيادة الأمير عبد القادر بمرتفعات مضيق موزاية. وخسر الفرنسيون في هذه المعركة ستة قتلى من بينهم العقيد ميلتيجان، بينما نجحت قوات المقاومة الشعبية من عرقلة سير القوات الفرنسية ولم تسجل خسائر كبيرة خلال يوم كامل من القتال.
من 01 إلى 07 فيفري في هذه المعركة تحالفت قوات مكونة من 15000 رجل من 120 قبيلة تحت قيادة الأمير عبد القادر ضد القوات الفرنسية في حصن مزغران قرب مدينة مستغانم. دامت المعركة عدة أيام، انسحبت بعدها قوات الأمير لعدم تحقيق تقدم ملحوظ.
18 نوفمبر
أقام الأمير عبد القادر أركان الدولة الحديثة منذ توليه الإمارة وقيادة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي. فقد أسَّسَ جيشا نظاميا قوامه 8000 مُشَاةٍ منظمين في كتائب، و2000 فارسٍ، و240 رجل مدفعية تلقوا جميعهم تكوينا حديثا من مدربين متخصصين. كما اشترى عتادا حربيا من فرنسا وبالأخص في فترة الهدنة التي وقعت بين 1837 و 1839. بالإضافة إلى تشييد الحصون والقلاع ومصانع وورش السلاح، وسك العملة.
وتضمنت المعاهدة بنودا مثلت اعترافا صريحا من الحكومة الفرنسية بإمارة الأمير عبد القادر من بينها؛ اعتراف الأمير بسلطة دولة فرنسا على مدينة الجزائر وسهل متيجة، وعلى مدن وهران ومستغانم وأرزيو دون أن يمد يده لغيرها من الأراضي الجزائرية. واعتراف فرنسا في المقابل بإمارة الأمير عبد القادر على إقليم وهران وإقليم التيطري، والقسم الذي لم يدخل في حكم فرنسا من إقليم مدينة الجزائر من الناحية الشرقية. مع إمكانية شراء الأمير البارود والكبريت وما يحتاجه من الأسلحة من فرنسا. وتطبيق مبدأ التجارة الحرة بين الطرفين.كما نصت المعاهدة أيضا على تخلي فرنسا عن مدينة تلمسان وقلعة المشور ورشغون مع ما فيها من مدافع قديمة للأمير الذي يتعهد بدوره بنقل الذخائر الحربية والأمتعة العسكرية التابعة للفرنسيين في تلمسان إلى وهران.
عقدت فرنسا معاهدة التافنة مضطرة مع الأمير عبد القادر، وتولى المهمة الجينرال بيجو بتاريخ الثالث والعشرين ماي 1836. وتفاوض الطرفان كلُّ قصد تحقيق أهدافه، فالأمير عبد القادر قبل بالهدنة لتخفيف معاناة الشعب الجزائري والتقاط الأنفاس وتوسيع نفوذه في البلاد و حيازة اعتراف فرنسا به، مما قد يكسبه الاعتراف الدولي مستقبلا ويؤكد اعتداء فرنسا على بلاده وشعبه. أما الجنرال بيجو فكان يهدف من خلال هذه الهدنة إلى التفرغ للقضاء على مقاومة أحمد باي في الشرق الجزائري، وإعداد فرق عسكرية خاصة بحرب الجبال، وفك الحصار عن المراكز الفرنسية، وانتظار وصول الإمدادات العسكرية من فرنسا.
وأسفرت المعركة عن هزيمة الأمير الذي فقد حسب الروايات الفرنسية 250 قتيلا و120 جريحا و130 أسيرا إضافة إلى 500 بندقية، بينما قدرت الخسائر في صفوف الجيش الفرنسي 15 قتيلا و35 جريحا.هناك روايات ترجع أسباب انتصار بيجو في هذه المعركة إلى الدعم المادي والخبرة اللذان تلقاها من قبل حليفه مصطفى بن إسماعين الذي ساهم فيها بأربع مائة فارس.
وقعت معركة السّكّاك بتاريخ السادس جويلية بالقرب من بلدية عين يوسف بتلمسان، بهجوم قوات الأمير بقيادة البوحميدي الولهاصي ومصطفى بن التهامي على قوات بيجو التي كانت بصدد اجتياز نهر السكاك. ليغير الجنرال بيجو تكتيك المعركة ويكثف عمليات القصف المدفعي التي أجبرت قوات الأمير على التراجع إلى الخلف وصولا إلى منحدر صخري اضطرهم إلى المقاومة حتى لا يقعوا أسرى في أيدي العدو الذي كانت القبائل الموالية داعمة له.
حيث هجمت قوات الأمير على القوات الفرنسية وهزمتها شر هزيمة. وأصيب في هذه المعركة الثقيلة على الفرنسيين المقدم موسيون، والجنرال دارلانج، ونقيب هيئة الأركان. وفر البقية إلى مركز رشقون. وانسحب من تبقوا بتغطية من حامية المركز الذي فضل الأمير محاصرة جنوده وإجبارهم على الاستسلام.
باشر الجنرال دارلانج بتحصين المركز العسكري الفرنسي الذي أقيم بمصب وادي التافنة يوم 30 أكتوبر 1835 بقيادة النقيب فرانكونين، قصد ربط علاقات مع شيوخ قبائل الجهة. واتجه بعد أسبوع من وصوله إلى مركز رشقون نحو قرية سيدي يعقوب لمعاينة الطريق وجس النبض، غير منتبهٍ لكونه مراقبا من طرف قوات الأمير عبد القادر التي طوقت كل الجهات، ووضعت كتائب في الطريق قام هو وقواته بمطاردته حتى استدرجته إلى المكان الذي اختاره الأمير لوقوع المعركة التي جرت يوم الخامس والعشرين أفريل 1836.
20 أفريل
15 أفريل
في اليوم الموالي، أي في السابع والعشرين جانفي، تمركزت قوات الأمير عبد القادر في المكان المسمى سبعة شيوخ قاطعة الطريق على المارشال كلوزيل، ودارت بين الطرفين معركة ضروس، خلفت عددا من القتلى من الطرفين. غير أن الأمير وفرسانه تلقوا إمدادات ودعما كبيرين من طرف قبائل أقصى الغرب، فوصل تعداد قواته إلى عشرة آلاف متطوعٍ. وأجبر المارشال كلوزيل في هذه الحال على العودة إلى تلمسان مساءَ الثامن والعشرين جانفي.
بتاريخ السادس والعشرين جانفي باغتت قبائل التافنة المارشال كلوزيل بقيادة خليفة الأمير عبد القادر (البوحميدي الولهاصي)، وهو بصدد تأمين الطريق من تلمسان إلى رشقون وإقامة مركز عسكري بالمكان. وتمكنت القبائل مدعومةً بالفرسان النظاميين بقيادة الأمير عبد القادر من السيطرة على المرتفعات الشرقية والغربية عند التقاء وادي يسر وتافنة.
بعد هزيمة الأمير في معركة الغروف، جمع قواته في الثالث ديسمبر واتجه بها نحو منطقة سيدي مبارك أين التقى القوات الفرنسية بقيادة كلوزيل في معركة اعتمد فيها على طريقة الكماشة والكمين. ثم انسحب من المعركة ليتقدم كلوزيل على إثر ذلك إلى مرابط سيدي مبارك ثم إلى مدينة معسكر.
جرت المعركة بتاريخ الثالث ديسمبر 1835 في جبل من الجبال المحيطة بنهر الغروف بين قوات الأمير والقوات الفرنسية بقيادة كلوزيل. كانت هذه المعركة خاسرة للأمير لغياب توازن القوى بين الطرفين.
وقعت هذه المعركة بتاريخ الثامن والعشرين جوان 1835 على حدود المقطع (بين سيق والمحمدية حاليا) بين قوات الأمير عبد القادر والقوات الفرنسية بقيادة الجينرال تريزيل الذي مُنِيَ بهزيمة كبرى قُدِّرت حصيلتُها -حسب الرواية الفرنسية- بـ (262) قتيلا و(308) جريحٍ. فيما قدرها الجزائريون بـ (500) قتيل فرنسي. وبفضل هذه المعركة تم الاعتراف بالأمير عبد القادر قائداً عسكريا، وبدولته في الجزائر.
جرت هذه المعركة التي دامت يومين (26 و27 ماي) في غابة مولاي إسماعيل بالقرب من واد سيق. وانتصر الأمير فيها على القوات الفرنسية بقيادة الجنيرال تريزيل الذي تكبَّدَ خسائر قُدِّرت بمائة وخمسين قتيلا وجريحا من الجنود الفرنسيين.
وجاء ما تضمنته المعاهدة من بنود منصبا حول تحقيق ما طمح الأمير إليه، فقد نصت على؛ وقف القتال بين الطرفين، واعتراف دي ميشيل بإمارة الأمير على كامل البلاد نظير إقراره لفرنسا على مدن: الجزائر، وهران، أرزيو ومستغانم، وتعيين وكلاء من الأمير عبد القادر بكل من المدن الأخيرة (وهران ومستغانم وأرزيو) تفاديا لوقوع خصومة بين الفرنسيين والعرب، مع تعيين وكيل عن فرنسا في معسكر. ونصت المعاهدة أيضا على إلزامية رد الأسرى من الفريقين، وإعطاء التجارة حريَّةً كاملةً.اغتنم الأمير هذه الهدنة فركَّز اهتمامه بأحوال البلاد، واتجه إلى تنظيم صفوف الشعب وإقامة القلاع، وتشييد الحصون، وصنع السلاح وإنتاج الذخيرة الحربية. ونقضت فرنسا هذه المعاهدة مباشرة عقب عزل الجنرال دي ميشال عن قيادة وهران بتاريخ الخامس عشر جانفي 1835.
في السادس والعشرين فيفري، أبرم الجينرال دي ميشال معاهدةَ هدنةٍ مع الأمير عبد القادر الذي اعتبرها فرصةً لتوسيع نفوذه خارج إقليمه، والتمركزِ أكثر لافتكاك اعتراف العدو به وبدولته. واعتبرها دي ميشال الذي وقعها مضطرا انتصارا دبلوماسيالضمه وهران التي قال إنها أكبر جزء في ولاية الجزائر وأكثرها محاربة.
27 جويلية ضد دي ميشال
من 27 إلى 30 جوان
11 جوان
قُتل قدور الدبي وزوجته لالة عيشة وأحد أبنائه وعدد من الفرسان والمقاتلين، وأخضع الفرنسيون بطون العبيد الغرابة، واستولوا على ثلاثة آلاف (3.000) رأسٍ من الماشية وسبعة عشر (17) من الجِمالِ وبعض الأسرى الذين مثَّلتِ النساءُ غالبيتَهمْ.
تَنَاهَى خبرُ المعركةِ إلى الأميرِ عبد القادر متأخرا، في الوقت الذي انشغل بإطفاء الفتنِ في بعض القبائل المتمردة، فهرع لمساعدة قدور الدبي بعد فوات الأوان، ليهاجم المعسكر الفرنسي بالكرمة بعد ذلك.وقعت المعركة يوم الثامن ماي، على إثر توسع قوات الجنيرال دي ميشال باتجاه الضواحي الجنوبية لمدينة وهران، أين كان قدور الدبي مرابطا بمعية أربعين رجلا بعد تكليفه من الأمير عبد القادر بالمرابطة بالجنوب الشرقي للمدينة بالقرب من بحيرة تليلات.
بتاريخ 4 فيفري بويع عبد القادر أميرا للمقاومة الشعبية في مبايعة عامة من طرف القبائل الشرقية والأحياء الغربية. ثم أجمعت الجهات الغربية والجنوبية على إمارته وبيعته. وقيل إنه بويع بالسلطنة. لكنه رفض مراعاةً لسلطان فاس، واكتفى بلقب الأمير. إذ لقبه والده بـ "أمير المؤمنين ناصر الدين".(أباضة، 1994)
في نوفمبر اقترحت قبائل منطقة معسكر؛ بني هاشم، بني عامر، وغرابة على محيي الدين قيادة المقاومة الشعبية ضد الغزو الفرنسي، فرفض لكبر سنه، واقترح عليهم ابنه عبد القادر الذي قبلوا مبايعته في 27 نوفمبر 1832 تحت شجرة الدردارة بـ "واد فروحة"وسميت هذه المبايعة بالخاصة.
نزل الجينرال دامريمون بالمرسى الكبير بوهران. فطلب الباي حسن اللجوء إلى القيطنة في حماية محيي الدين الذي استشار جماعته فوافقت. لكن، عبد القادر أشار إلى احتمال تعرض الزاوية للخطر بسبب ذلك لوجود أعداء كثر للباي حسن. فالتف الجميع حول رأيه.
غزت القوات الفرنسية الجزائر العاصمة، وبسط الفرنسيون سيطرتهم عليها بعد هزيمة الداي حسين وفراره.
عاد عبد القادر الشاب مع أبيه إلى الجزائر بعد رحلة الحج سنة 1827، في العام الذي شهد حادثة المروحة. واستقر في القيطنة أين اعتزل في بيته متفرغا للقراءة والعبادة، والصيد والفروسية.
زار عبد القادر خلال تلك الرحلة العديد من الدول العربية، منطلقا من وهران، ثم تونس التي حلَّ بها في أول يوم من شهر رمضان، ثم مصر أين أثَارتْ طريقةُ محمَّد علي في بناءِ مصر الحديثة إعجابه وألهمته للتفكير في بناء الدولة الجزائرية الحديثة. وبعدها زار ووالده الحجاز، وصولا إلى بلاد الشام أين لبسَ خرقة ابن عربي الذي اعتبر مريدا له باعتراف من قابلهم هناك من علماء ومشايخ. وواصل رحلته إلى العراق التي زار فيها ضريح الشيخ الصُّوفي عبد القادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية.
سَافَرَ الأميرُ عبدُ القادرِ في رِحلةٍ طويلةٍ ومفيدةٍ إلى مكةَ المكرَّمة والشرق الأوسط رفقة والده الذي اصطحبه وإياه بعد السماح له بأداء فريضة الحج من قبل الحاكم العثماني لمدينة وهران.
بسنِّ الخامسة عشرة تزوج من ابنة عمه لالة خيرة بنت أبو طالب ذات الخلق الحسن والنسب الشريف.
سافرَ إلى مدينة أرزيو حيث أرسلهُ والده ليتلقَّى تعليما معمَّقا على يدِ القاضِي الشَّيخ أحمد بن الطاهر البطيوي المعروف آنذاك بشهرته، وعلمه الغزيرِ واطلاعِهِ الواسعِ، وانفتاحه على ما كان يجْرِي في أوروبا من نهضة حضارية. فَأَخَذَ عنْهُ عبدُ القادرِ أصُولَ العلوم، كالتاريخ والجغرافيا، والفلسفة وفلسفة الإسلام، والرياضيات والأدب العربي (النحو والصرف) وعلم الفلك والطب وغير ذلك. ثم سافر إلى وهران ليتَوسَّع هناكَ في المعَارِفِ اللُّغويَّة والفقهيَّة والنَّحْوِ والبيانِ والفلسفة والمنطق، وفي هذه المرحلةِ صقلَ ملَكَاتِهِ الأدبيَّةِ والشِّعريَّةِ.
حَصَلَ على تَسْمِيَّةِ (حافظ)، ليصبحَ باستطاعتهِ ترتيل القرآن عن ظهرِ قَلْب. مَا مكَّنهُ من تقديمِ دروسٍ في زاوية أسرتهِ
نالَ الإجَازَةَ في التَّفْسيرِ وعمره وقتئذٍ اثنَا عَشْرَ عَاماً.
نَشَأ الطفلُ عبدُ القادرِ بنُ محيِي الدِّينِ معَ هذا الإرْثِ العائلِيِّ الزَّاخِر، وتلَقَّى تعليمَهُ الدِّينِيّ المخصَّصِ لأولئكَ الذينَ سيَتَوَلَّوْنَ مناصبَ قياديَّة في العَالَمِ الإسْلاَميِّ. فقدْ مَضَى ينهلُ من العلومِ والمعارفِ الدينية الإسلاميةِ، والأدبِ والفلسفةِ والرياضيات. ما هيَّأَهُ ليصيرَ واحداً من أكثرِ العلماءِ المسلمينَ احتراماً في شمالِ إفريقيا، وفي الوَطنِ العَرَبِيِّ والعَالَمِ.تَعَلَّمَ القراءَةَ والحِسَابَ والكتابةَ في الخَامِسَةِ من عُمْرِه، مُبْدِياً استعداداَ وذَكَاءً لاَفِتَيْن لاحظهُما واستغلَّهما والِدُهُ مُحْيِي الدِّين الجزائري، العَالِم في الدِّرَاسَاتِ الإسلاميةِ والرياضيات والأدبِ والفقهِ والفلسفةِ.
اختارَ (سيدي محيي الدين) شيخُ الطرِيقَةِ الصُّوفيَّة القادِرِيَّة ومؤلِّف "كتاب إرشاد المُرِيدِين" الموجَّهِ للمُبتَدِئِينَ اسمَ "عبد القادر" لابنه الرابعِ تبرُّكاً بالشيْخِ عبد القادرِ الجِيلانِي مؤسِّس الطَّرِيقَةِ القَادِرِيَّةِ. كان النَّاسُ يتحدَّثونَ عن أخلاقِ وتربيَّةِ عبد القادر الجزائري، وعن نسَبِهِ الشريفِ، وشخصيتهِ التي حَرصَتْ عَلَى صَقْلِهَا بشكلٍ استثنائيٍّ أمُّهُ لالَّة الزهرة بنت الشيخ سيدي بودوحة شيخ زاويةِ حَمَّام بوحجَرْ، المعروفة آنئذٍ بثقافتها وذكائِها، وتَدَيُّنِها وجَمَالِهَا، وبِحُبِّها الشَّديدِ للوطنِ.
وُلِدَ الأميرُ عبدُ القادرِ بنُ محيِي الدِّين الجزائري يوم الثلاثاء السَّادِسِ سبتمبر 1808م الموافقِ الخَامِس عشر رجب 1223هـ، في القَيْطَنَة بالقُرْبِ من ولايةِ مُعَسْكَرْ بالغَرْبِ الجَزَائِرِيِّ. اسمُهُ الكامِلْ عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى... بن الحسن بن الإمامِ علي بن أبي طالب. ينحدِرُ نسبُهُ من سُلالةِ الرَّسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من عائلةٍ شَرِيفةٍ كانتْ مُؤثِّرَةً في الحَياةِ الدِّينيَّة والسِّياسيَّة بالجزائرِ لقرونٍ عِدَّة.